vindication!

علي رغم مما سيقول المعارضون: هؤلاء الذين يعتقدون بالتفوق الاوصاف شعري للحياة او الانظمة الغائية-الهية, انا ابتسم بتأثير قرأة هذه المقال. منذ كنت شابً, اتمتع بامكانية افكار المادية و لذلك اتفق مع مبادئ الأخلاق العصبي حامسً. ليس عندي اي تردد باحتضان نظريات علمية للإخلاق. لعل لأن استمع الى روك رياضي!

"في أية حالات وعي نريد أن نعيش" - حول أخلاقية العلوم العصبية

تُظهر الأبحاث التي تُجرى على الدماغ طوفاناً من المعارف عن الوعي البشري. ولا تغيّر هذه المعارف صورة الإنسان فحسب، وإنما تفتح أيضاً إمكانيات جديدة لتغيير الوعي بإجراء عمليات جراحية على الدماغ. الفيلسوف والعالم المختص بالعصبية توماس متسينغر من جامعة ماينز يشرح المعضلات الجديدة، ويوضح لماذا يتعيّن العمل على حضارة الوعي والانشغال بها.
بروفسور متسينغر، لماذا تهتم الفلسفة بمعارف اكتسبت من الأبحاث عن الدماغ؟
إن النتائج التي تتمخض عن الأبحاث التي تُجرى على الدماغ هي منذ مدة طويلة مهمة بالنسبة للفلسفة. فهنا المجال الكامل تقريباً لفلسفة الفكر. بين ذلك تقع على سبيل المثال نظريات الوعي، والإدراك أو مشكلة الجسد - الروح. بالنسبة لهذه المسائل نجد أن البيانات التجريبية التي تقدمها الأبحاث التي تُجرى على الدماغ هي في غاية الأهمية. إن كثيراً من الأمور التي كان يمكن للفلاسفة أن يقولوها قبل مئة عام، لم يعد في مقدورهم أن يقولوها اليوم، وذلك لأنها دُحضت من خلال تجارب. ثم هناك مجال آخر يهم الفلسفة الراهنة على نحو خاص، هو مجال علم الأخلاق.
تتحدثون عن علم الأخلاق العصبي؟
نعم. في علم الأخلاق العصبي يمكن للمرء أن يميز مرة أخرى بين حقلين. الأول هو "علم الأخلاق العصبي الوصفي". في هذا العلم يتعلق الأمر بأن يصف المرء بدقة كيف يتصرف الناس أخلاقياً، وتحت أية ظروف يقبلون قواعد أخلاقية، وما هو مدى تجاوبهم لدى ذلك، ماذا كانت مثلاً العادات والأعراف المحددة لدى شعوب ما، في حضارات محددة أو عصر تاريخي مخصوص، أو كيف تُفضّ منازعات. في الحقيقة توجد فروع أكاديمية عديدة - مثل الحقوق وعلم الاجتماع والعلوم السياسية وعلم الشعوب البدائية - تقوم منذ مدة طويلة بوصف كيف يجري تدوين الأعراف الأخلاقية وكيف يجري تطبيقها في حضارات أو شعوب متنوعة، أو كيف يتميز سلوك أخلاقي في الحياة اليومية. إن الأمر الجديد تاريخياً هو أن العلوم المختصة بالجهاز العصبي إنما تنتج الآن طوفاناً هائلاً من المعارف عن كيف يتشكل ويتطور، بعامة، موضوع مثل موضوع الأخلاق.
تشير نتائج الأبحاث عن الدماغ، إذاً، إلى أن ما نصفه بأنه أخلاق إنما قد تكوّن على طريق نشوء وارتقاء؟

Neuronale Netzwerke
طبعاً ما زالت المعارف الجديدة حول تاريخ نشوء الأخلاق لا تمسّ في أصل الأمر السؤال الفلسفي عن صلاحية المعايير الأخلاقية. غير أننا نفهم الآن على نحو أفضل الأساسَ العصبي للمشاعر الأخلاقية، مثل الشعور بالذنب وحس المسؤولية. وفي الوقت نفسه نرى أيضاً أنه يوجد هنا استمرارية إلى عالم الحيوان. نلاحظ أية حيوانات يمكن أن يكون لديها إحساس نفسي بشيء مثل إنصاف أو عدالة. نرى بدقة أكثر أية أنواع من التركيبات بأية أنواع من الأجهزة العصبية أدخلت إلى العالم سلوك إيثار الغير. كما نفهم بدقة أكثر كثيراً كيف يتطور لدى الطفل البشري تدريجياً الإحساس الأخلاقي، والقدرة على الأخذ بالمنظورات، والإحساس بأحاسيس الآخر. كل هذا هو غير موجود على نحو كامل لدى الولادة. وتطور السلوك الأخلاقي يسير أيضاً طبعاً مع تطور الدماغ جنباً إلى جنب. وعلى عكس ذلك نرى لدى أية أنواع من الإصابات في المخ تختفي بعض أوجه السلوك الأخلاقي - مثل القدرة على الإحساس بمشاعر الآخر أو القدرة على إدراك نتائج هامة لتصرف ما إدراكاً ذهنياً - وتزول على نحو قاطع لا يردّ. هنا تأتي أيضاً ما يسمى "مشكلة ما على المرء وما يقدر عليه": تكمن هذه المشكلة في أنه لا يمكن أن يُطلب من الناس بمعنى تقييمي أي شيء يعرف المرء سلفاً بأنهم لا يستطيعون القيام به إطلاقاً. مثال: ربما سوف نفهم قريباً بدقة أكثرنوعاً ما أية إنجازات تضامن يستطيع الناس تقديمها.
هذا يعني أنه يتعيّن علينا أن نقبل أنه ينبغي على الناس أن يتحملوا تبعات تصرفاتهم، رغم أن الأبحاث التي تجرى على المخ تبيّن عدم وجود إرادة حرة؟
غالباً ما يجري إدخال حرية الإرادة في هذا الصدد. لكن يجب هنا التمييز بدقة كبيرة بين المكونات المجردة والمكونات التجريبية. الفلاسفة يقولون ما هي إرادة الحرية بعامة. هذه معضلة فلسفية، مسـألة مجردة، معنوية، تصورية. بعد ذلك يمكن أن نرى ما تساهم به البيانات التجريبية للإجابة على هذا السؤال، فيما إذا كان يوجد حرية إرادة أم لا. علماء الدماغ لا يستطيعون، إنطلاقاً من علمهم وحده، أن يقرروا وجود أو عدم وجود حرية إرادة. هنا ثمة مكونات مفهومية غير قابلة للإستدلال والإرجاع إلى مرجع.
تحدثتم عن حقلين ينقسم إليهما علم الأخلاق العصبي. ما هو المجال الثاني إلى الجانب الوصفي؟
إلى جانب علم الأخلاق العصبي الوصفي يوجد أيضاً "علم الأخلاق العصبي المعياري (التقييمي)". هذا هو ببساطة شكل من أشكال علم الأخلاق التطبيقي، هذا الشكل الناتج عن سياقات تطبيقية نشأت حديثاً. بين هذه التطبيقات تأتي التقنية الطبية التي تتيح إجراء عمليات في الدماغ البشري من خلال إثارة أعماق المخ بواسطة موصّلات كهربائية، أو عدد كبير من العقاقير الجديدة للأعصاب. هنا تنشأ من ثم أسئلة أخلاقية جديدة.
ما هي مثلاً؟
مثلاً السؤال: ماذا نعمل عندما تكون هذه الوسائل الجديدة باهظة التكاليف إلى درجة أنه لا يمكننا تمويلها في حال استخدامها بالنسبة لكافة الناس؟ هذه أسئلة تتعلق بعدالة التوزيع. ومعضلة أخرى تمثلها عمليات جراحية جديدة من نوعها محفوفة بالمخاطر في البداية ولا يستطيع المرضى تقدير مدى الخطر فيها. أو: ما هي النتائج بعيدة المدى لمنشّط الدماغ، إذا سيطر المرء حقاً على المشكلة الطبية، لكن عواقب نفسية غير متوقعة تظهر في وقت لاحق؟
أي دور تقوم به في هذا الصدد أدوية مغيّرة للوعي؟
هذه الأدوية المنشّطة للدماغ تمثل معضلة يجري حالياً نقاشها نقاشاً حاداً على نحو خاص. إن صناعة الصيدلية الشرعية تعمل منذ مدة طويلة على تطوير أدوية جديدة تحسّن اليقظة العامة والذاكرة أو القدرة على التركيز. وهذا يعني أننا سوف نستطيع بالتدريج زيادة طاقة الدماغ إلى حد أقصى وبهذا بعض المهام الفكرية أيضاً.
ما هي المجموعات التي تفكر صناعة الصيدلة بالتوجه إليها؟
تطوير مثل هذه الأدوية يتوجه أولاً إلى المرضى الطاعنين في السن الذين يشكلون سوقاً يكبرويتسع باستمرار. إن عدد المتقدمين في السن في مجتمعاتنا يتزايد بحيث أن معضلات مثل خَرَف المسنين ستكون أكثر أهمية في المستقبل. إنه لا يكفي إطالة عمر الإنسان كمياً، إذا لم تكن النوعية الذهنية معطاة بعد. وطبعاً تريد صناعة الصيدلة الوصول أيضاً إلى أمثال هؤلاء الناس الذين يريدون زيادة طاقة الإنجاز لديهم لأسباب تتعلق بصعودهم المهني. لكن بالذات لدى مثل هذه الأدوية يوجد أسئلة عديدة لأنها غالباً ما تصبح أدوية عصرية، أي مواد لا يوجد بالنسبة لها سمة طبية مباشرة، لكن كثيرين من الناس يرغبونها لأنهم يريدون أن يعيشوا بعمق أكثر أو أن يكونوا، ببساطة، أفضل تركيز في عصر يتسم دائماً أكثر بأنه سطحي عابر.
لا يبدو هذا سيئاً إذا أمكن استبعاد مضاعفات ...

Hippocampus
لكن هناك اعتراضات كثيرة. الاعتراض الأول هو أنه لا يمكن تحسين تكافؤ الفرص بين الجميع ونوعية الحياة للجميع بواسطة مثل هذه الأدوية - كما يقول المؤيدون - ، بل إن المرء يثير بالأحرى سباقاً اجتماعياً جديداً لا يكسبه في نهاية المطاف سوى الأثرياء وأصحاب الامتيازات. وهناك نقد تقليدي يقول مثلاً بأننا لا نعود نكون "الذات الحقيقية" القديمة، لأننا نفقد أصالتنا الداخلية. لكن لدى ذلك توجد تأثيرات غريبة: عندما نسأل مرضى كانوا يعانون مثلاً من خجل بالغ وتلقوا دواء ضد الرهبة الاجتماعية، فيما إذا كانوا لا يشعرون بأنهم إنسان تغيّر وأصبح "غير حقيقي"، يقول أمثال هؤلاء الناس غالباً: "كلا، بالحبة أشعر بنفسي أكثر مما أشعر بها بدون حبة". وبشكل مماثل لا يحدث نادراً لدى بعض الأدوية الحديثة ضد حالات الإكتئاب والقنوط: يسأل الناس بعد انتهاء العلاج، فيما إذا كان يجوز لهم أن يستمروا في تناول الدواء. إذا لم نأخذ آراء المرضى أنفسهم مأخذ الجد، فإنه يكون من غير الواضح كم هي "غير حقيقية" حالة الوعي الاصطناعية هذه، أو فيما إذا كانت تعني فقط السماح لإنسان بأن لا يعد يقف في طريق نفسه. لكن يوجد أيضاً مشكلات أخرى.
ما هي؟
من خلال الأبحاث عن نشاطات الدماغ المتعلقة بالوعي يتوضح على نحو متزايد أن حيوانات كثيرة، لا سيما ذات الحرارة الثابتة، إنما تملك وعياً وقدرة على المعاناة. في مقدورها إذاً أن تشعر بشيء مثل الخوف من الموت، والألم، واليأس أو الفزع. إن عبء البرهان يقع الآن لدى أولئك الذين لا يريدون أن يكونوا من هذا الرأي. لكن ينتج عن ذلك أنَّ تعاملنا مع الحيوانات هو تعامل باطل. وفي الحقيقة كنا نعرف ذلك دائماً. ينبغي علينا أن نفكر ماذا يجوز لنا وماذا لا يجوز أن نعمل بمخلوقات أكثر بكثير، وليس فقط ببشر. حتى أنه من شأن هذا الأمر أن يصيب يوماً ما مجال الوعي الاصطناعي. يوجد ثمة برامج أبحاث لا تحاول أن تُحدث شيئاً ما مثل الذكاء فحسب، وإنما أن تصنع تجارب شخصية في آلات. أنا شخصياً أعارض ذلك معارضة قاطعة، لأنني أرى الخطر الكبير بأن ينتج المرء هناك معاناة اصطناعية.
إن أبحاث الوعي تؤدي إذاً إلى أنه يتعيّن على المرء أن يوسّع موضوع التأملات الأخلاقية. هل تقصدون هذا عندما تتحدثون عن ضرورة تطويرحضارة وعي جديدة؟
أرى أنه يجب علينا، لمواجهة المشكلات الجديدة، ليس فقط أن نضع تأملات تدور بالمعنى الضيق حول مسائل محددة لعلم الأخلاق العصبي التطبيقي. علينا بالأحرى أن نتساءل ما هي، إطلاقاً، حالة وعي جيدة. في أية حالات وعي نريد أن نعيش؟ في أية حالات وعي نريد ربما يوماً ما أن نموت؟ أية حالات وعي نريد أن نقدمها لأولادنا كنموذج؟ و: كيف نريد تطبيق هذه المعارف كلها بطريقة اجتماعية ذكية؟ إن الأمر لا يتعلق بمنع وقوع أمور رهيبة فقط. ومن ذات الأهمية على الأقل أن نقوم بتطوير رؤيا إيجابية كيف نستخدم هذه المعارف بحيث تفيد ناساً كثيرين إن أمكن، وتزيد استقلاليتنا وحريتنا.
لكن هذا يعني أن يوضع الأمر في قرار كل فرد، في أية حالة من حالات الوعي يريد أن يكون. كل فرد هو سعيد بطريقة أخرى.
يقيناً، هذا لا يصح. فنحن نملك اليوم حضارة وعي. إن الأمر يعود إليك وحدك إذا كنت تريد تغيير وعيك أم لا بواسطة الكحول. أما إذا أردت أن تفعل ذلك بواسطة الهيروئين، فليس هذا من ناحية أخرى قرارك الخاص بك. وسوف تطرح في المستقبل أسئلة كثيرة مثل هذا السؤال، وذلك لأنه سوف يوجد خيارات عمل أكثر. لدينا حالياً رؤى ما تقليدية غير واضحة عما هو إنسان حقيقي أو ما هي حالة وعي جيدة. لكن السؤال هو فقط: عندما يكون لدينا سيطرة أكثر على هذه المسائل، ويستطيع الناس أن يطلبوا ما لم يكن في مقدورهم حتى الآن أن يطلبوه، ألن تتغير هذه الرؤى أيضاً؟ لذا فإننا نحتاج في الحقيقة إلى "علم أخلاق وعي"، لأنه يتعيّن علينا تقييم حالات الوعي معيارياً. وفي آخر الأمر ينبغي علينا أن نطرح على أنفسنا بشكل جذري السؤال، ما هي حالة الوعي الصحيحة؟ وليس فقط: كيف نتصرف في سياقات طبية محددة أو أي استخدام عسكري نمنع؟ إن الموضوع هو أن نوسّد المجموع حضارياً واجتماعياً. وطبعاً يرتبط هذا أيضاً بصورة إنسان معينة. ومن المهم هنا على نحو مخصوص الفصل بين الناحية المعيارية والناحية الوصفية: إن الأبحاث عن الدماغ تقدم لنا فقط نظرات جديدة عما يكون الإنسان. لكن هناك سؤال مغاير كل المغايرة هو سؤال "علم وصف الإنسان" عن كيف على الإنسان أن يكون، نظراً لكل هذه المعارف الجديدة. إننا نعيش حالياً، شئنا أم أبينا، انعطافاً طبيعياً (طبقاً للمذهب الطبيعي) فيما يتعلق بصورة الإنسان. والسؤال هو كيف نبقي تكاليف النتائج التي تنشأ بهذا على المستوى الاجتماعي منخفضة ما أمكن. فعلى سبيل المثال يمكن أن تقع حركات هروب أصولية أو أن تقوى شوكة الدين المنظَّم، وذلك لأن توقاً ينتشر على نحو مفاجئ، توقاً إلى صور عالم بسيطة متماسكة.
بروفسور دكتور توماس متسينغر، مواليد عام 1958، دراسة فلسفة وعلوم دينية كاثوليكية وعلم الشعوب البدائية في جامعة فرانكفورت، نال إجازة الدكتوراه في عام 1985، وإجازة الأستاذية في عام 1992، أستاذ بالنيابة في أوسنابروك وساربروكن وإسّن؛ عضو كلية العلوم في بريمن، منذ عام 2000 بروفسور للفلسفة النظرية في جامعة ماينز؛ عام 2005 معيد في معهد الدراسات العليا في فرانكفورت. من بين مراكزثقل أبحاثه: فلسفة الفكر التحليلية، نظرية العلوم، والمشاكل الفلسفية للعلوم العصبية وعلوم الدماغ.
أجرت الحديث أنتونيا لويك، إعلامية، كولونيا حقوق النشر: معهد جوته، قسم تحرير أونلاين
مواقع أخرى


Comments

Popular Posts