الحب في اليمن
نساء محجّبات، وزيجات تُعقد بناء على اتفاق، وحريم: يمكن للغربي أن يفكر أن الحب في البلدان الإسلامية إنما هو مغاير. لكن هل هو كذلك فعلاً؟ شاب من اليمن يروي لصديقه الألماني. أرتور بايفوس يدوّن ذلك.
علي صديقي ، يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً ويقيم في صنعاء ، عاصمة اليمن. أثناء إقامتي هناك تحدثنا مطولاً مع بعضنا بعض ومرات عديدة. من زاوية نظري النابعة من المركزية الأوروبية لا يمكنني أن أقدم أجوبة خالية من الأحكام المسبقة على السؤال عن الحب في اليمن. لكن في مقدور علي أن يقدم إيضاحات. بعفوية ومرح روى لي ذات مرة ثلاث قصص عن نساء: شتيفاني ، ورضا، وعائشة.
"شتيفاني كانت تبلغ الثانية والعشرين، وقد جاءت من أمريكا لكي تتعلم العربية". علي، الذي كان آنذاك في سن العشرين، يحب التحدث مع غربيين. وكما بادرني وخاطبني في الشارع ، تعرّف هكذا على شتيفاني أيضاً. بعد الحديث الأول كان كل شيء واضحاً، كان كل منهما يريد شيئاً من الآخر. علي كان يرغب في صقل لغته الإنكليزية، وشتيفاني كانت ترغب في صقل لغتها العربية. وهكذا تواعدا عدة مرات. كان يراجع وظائفها المدرسية، وكانت هي تتحدث معه بالإنكليزية.
بعد ست لقاءات وقع الأمر: "قبّلتني لدى الوداع!"، يروي علي وهو مازال مفعماً بالحماسة والنشوة، وكأن الأمر قد حدث يوم أمس. "على نحو صحيح؟"، سألته. "نعم ، على نحو صحيح!". وكانت اللقاءات التالية مغايرة. " أكثر إثارة على نحوٍ ما. أصبحنا نعامل بعضنا برقة ونعومة وننظر إلى أعين بعضنا أكثر ... لكن ذات يوم ..."، يتذكر علي، "أرادت أكثر ، طفقت تقبلني على عنقي، وأمسكتني في موضع لا يمسكني فيه أحد في الأحوال العادية". بالنسبة لعلي كان هذا موقفاً غير مألوف، كان معتاداً على تحفظ النساء. "وكيف كان الحال؟"، سألته في غير تحفظ ، "خرجتُ من الغرفة راكضاً، وتجنبت الاتصال بالفتاة. ومن حسن الحظ أنها سافرت بعد أسبوعين".
بعد مضيّ خمس سنوات، ما زال الإثنان على اتصال عبر البريد الإلكتروني. وشتيفاني قامت بدعوة علي عدة مرات، غير إن علي ليس متيقناً. " أريد أن أبقى في صنعاء. أحوالي هنا طيبة!" لكن أحياناً يهزّه حنين. ذات مرة، إذ كان يمضغ القات، وبدأت مرحلة النشوة، أغلق عينيه وراح يحلم. رأى منزلاً جميلاً تحيط به حديقة خضراء في جو أمريكي. وكانت تقف أمام المنزل سيارتان، نزلت من إحداها شتيفاني. واستقبلا بعضهما بالأحضان. "وعلى حين غرّة أعادني صوت المؤذّن إلى الواقع". هل يمكن أن يكون هذا حباً؟
تبلغ رضا الثانية والعشرين من عمرها، وتدرس الإنكليزية مع علي في المعهد في صنعاء. كانت على ما يبدو جميلة حقاً. وهذا ما كان علي يعرفه، إذ على عكس معظم النساء في اليمن، لم تكن تغطي كامل وجهها، وإنما شعرها فحسب. "ابتسمت لي!" وظنّ علي أن هذه الفتاة هي الفتاة المناسبة له.
بالنسبة للرجال في اليمن، ثمة مخاطرة كبيرة أن يفقد أحدهم سمعته بصفته رجلاً طيباً ووفيّاً. وكلما خاطب الرجل في العلن نساء أكثر، هبطت سمعته إلى درك أسفل. "أمر مثل هذا ينتشر بسرعة!"، يؤكد لي علي. ورغم ذلك فسّر ابتسامتها كدلالة، وخمّن حباً حقيقياً. حزم أمره وتوجّه إليها، فدخلت معه في حديث، وكان حديثاً في غاية اللطف. وفكر أنه يجب أن تكون الفتاة المناسبة، إذ إنها هي أيضاً قد أقدمت على مخاطرة بأن تفقد جزءاً من سمعتها الطيبة نتيجة محادثة مع رجل غريب.
بعد انتهاء الدرس ذهب علي إلى البيت. "لم أشأ أن أتناول طعاماً ولا أن أنام، كما إني لم أنجز وظائفي المدرسية. لم أعد أريد سوى العودة إلى المعهد ورؤية رضا". هل كان هذا حباً من النظرة الأولى؟
وبعد يومين من ذلك شاهدها، وهو في المعهد، قادمة من بعيد. توجّه إليها وهو مفعم بالبهجة وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة. لكن ثم: مدّت له يدها وقالت: "مرحبا أخ". وكان علي يدرك ماذا يعني هذا. "كان في مقدورها أن تقول أي شيء آخر"، يروي علي وقد تملكه الغيظ ، "باستثناء هذا! إن الأخ لا يمكنه قط أن يصبح زوجاً". وردّ علي قائلاً" "مرحبا أخت!" ودخل إلى غرفة الصف.
تبلغ عائشة الثالثة والعشرين من عمرها، وهي شقيقة سامي، الذي هو صديق حميم من الجوار. علي يودّ عائشة منذ بعض الوقت. " أعرفها منذ كانت صغيرة جداً!" يروي علي وهو يضع يده المفتوحة على مستوى الفخذ الأعلى.
كان لعائشة معجبون كثيرون. ويقال إنها رفضت ستة على الأقل. إن علي لا يجرؤ على الذهاب إلى والدها وخطبتها منه. فمن شأن خيبة أمله أن تكون كبيرة إذا ما رفض الأب طلبه. "لا أريد أن أكون السابع"، يقول وهو ينظر في الفراغ وعلائم الهيام بادية على وجهه، وكأنه في هذه اللحظة يتخيلها لنفسه على نحو محسوس. "حتى إنها رفضت رجلاً ثرياً"، يتابع علي قائلاً. بين الحين الآخر يخابر سامي في البيت. "وعندما تكون هي على الهاتف ، يكون الأمر أجمل ما يكون. لا أريد أن أتحدث مع سامي إطلاقاً، ورغم ذلك أسأل عنه، وآمل دائماً أن تقول أكثر من (نعم) أو (انتظر لحظة)".
لدى علي تصورات محددة عن الإجراءات. يذهب إلى والد الفتاة المعجب بها، ويعلن له عن اهتمامه. يمضغان القات، ويتحادثان، يضحكان معاً، ويذهبان إلى الصلاة. ثم يدعو سامي وأشقاء عائشة ووالدها إلى بيته. وهم يفعلون الشيء نفسه. وبعد أسبوع يجتمعون ثانية لدى والد الفتاة. ويجلب علي ووالده معهما كمية من أفضل أنواع القات. يروح الجميع يمضغونه، ويتحادثون. الفتاة تنظر عبر الباب، على نحو غير ملفت للنظر، إلى المفرج، الصالون اليمني التقليدي، وتتأمل الزوج المحتمل متفحصة إياه. "وربما تدلف إلى الغرفة، وهي سافرة أيضاً، وتحمل لنا الشاي!" ويأتي وقت ما يتوجه فيه والدها إليها، ويسألها عن رأيها. فإذا قالت: "أوثر أن أنهي دراستي أولاً"، فإن هذا يعادل رفضاً. أما إذا كان الجواب " كما تشاء يا والدي"، فإن هذا يعني الموافقة.
" وهل كنتَ لدى والدها؟ سألت علياً أثناء لقائنا الأخير. " كلا ، أوثر أن أنتظر".
أرتور بايفوس 24 عاماً، درس دراسات أفريقية تطبيقية ولغة عربية في جامعة بايرويت وفي دمشق. يعمل صحافياً متفرغاً.
ترجمة زكية وطفي
Comments