نزهتان مصادفتان

عندما غادرت اليمن أخذت تاكسي مستعداً لمحادثتي الاخرى بالعربية قبل رجوعي الى دنيا اراضى مصقولة وسيطرة الفاست فود على بيئة الجمالية. جلست في كرسي الراكب و بدأت اتكلم تلقائاً عن شيء سطحي كي عرف السائق ان افهم العربية و ان لا يجب ان نقضي النزهة صمتاً. أخذ فقط شوية الدقائق حتى اصبحت المحادثة جاد. كان السائق فضولي كثيرا و مصادفةً كان المحادثة التي جارت مطابقة تماما مقارنةً مع المحادثة التى جارت بيني و بين سائق التاكسي الذي أخذته عندما غادرت مصر. كانا السائقان مهتمان جدا بما قلت و تبادلا بصرهما بيني و بين طريق السريع مظلم بليلى مغادرتي. كانت اسئلتهما جدية و مستمرة كأن عندما قضيت النزهة فقضيت فرصتهما لتناول حكم نادر من أجنبي مبهم. بدا ان قال تعابيرهما "أخيرا في أمريكي مسترسل بكرسيّ الذي يستطيع ان يكشف النقاب عن اسرار السياسة الأمريكية و الجوهر الافكار الأمريكيين. أرادا ان يعرفان عن اسباب افعالنا و آراءنا كأن تمثل الروح الأمريكي فلسفة غامضة او مذهب خاص. أرادا يعرفان لماذا انتخبنا لبوش مرة ثانية. أرادا يعرفان غرض الحقيق لدخولنا في العراق كأن كان سر لم نشتركه مع باقي العالم. سألا عن حججنا و دعواينا و تبريراتنا. حتى هربت من تاكسياتهما و بالكاد بحقائبي سألا عن عقلي كأمريكي و عقول مواطنوني. لم يكن لدي اي رد مفيد.

اسكن في اطراف أمريكا. إذا لا في واحد من سواحلها المتغطرسة فداخل بيت امي مع انفي مدفون في كتاب. عندما ازور بار ام سنيما في تكساس (اين تسكن امي) لا استطيع ان اقدم اي تحليل او شرح لما اشوف. ثقافتهم ملحوظة و بدون مثيل في العالم الباقي. اقول هذا, إن الشعب الأمريكي نوع خاص و ان احيانا يبدو مستحيل ان الدنيا الذي اشوفه عندما اسافر في الخارج يشترك الارض مع أمريكا و لكن لا يشرح هذا اي شيء. اريد ان احمل هذا الشعور لهم و لكنها مش واضح لسائق في مصر الذي لم يشوف دنيا الـ"فاست فود" و "ستريب مالز" من قبل. و الموقف الأمريكي العادي هي شيء اصعب لوصف. لا استطيع ان اتصور روحه إلا بوصف نموذجي عن الاشخاص الذين يعمرون هذا بلاد. اصف رجل في شاحنة و يرتدي قبعة بيسبول و هو حافل بشعور الفخر و الوطنية و افكار غامض الواجبات و الفداء. في عقلي اصفه بأنه حلم كامل البورجوازي, يعمل كل حياته بمقاومة التقدم و حقوق لطبقة الوسطى كأن مصطلح "نقابة" هي فكرة بغيصة, و لكن لصديقي السائق اصفه بأنه رجل خشن الذي يطمح الى الصورة الـ"فحل". يحب الرياضات و سيارات و حياته بسيط و مملوء بعمل و عدم الشكوات. ماذا اريد ان اصف هو صعب للتشخيص. هو تصرف ما اشوفه في وجه ابي عندما نشاهد الاخبار معا و يذكر المذيع ايران. الوجه في مدرسي عندما انتقدت في صفه الحرب في فياتنام. الموقف السياسي المعين مش مهم. محافظ ام ليبرالي مش مهم. هو فقط وسيل لتعبير رأي سياسي بوساطة ثقة بدلاً من البرهان ام افكار. لم ينتقدا ابي و مدرسي رأيّ بوساطة مناقشة. لم يذكر مدرسي لأن يعتقد نقدي الحرب في فياتنام غبي و مستحقاً مهزأته. هناك فقط الافكار نفسها و اي نقد ام بحث عن اسبابها ردها المهزأة المتنازلة. لا يجب في امريكا ان تتبنى افكار سياسي بل اختار الجانب المااسب لهوايتك (إذا تحب سباقات السيارات و تهذب اسبوعاً الى كنيستك فانت طبيعاً تدعم الحرب في العراق) كأن الآراء السياسية هواية نفسها. اقول هذا لأن اعتقد ان لم استطع ان اصف إساس و جوهر الافكار السياسية الأمريكية لأن ليس لهما منبع. هذه المنابع مفقودة للتاريخ و مدفونة تحت ثقافة الاستهلاكية. فعندما سأل السائق في مصر لأن فاز بوش في الانتخابات كان يجب ان اشرح ان فضل معظم الامريكيون ان يشرب بيرة مع بوش, فرضياً. السياسة مش اعلى من السطح. ما استطيع ان اعرض هو سؤال بلاغي الذي يحرك الذنب لهذا اللامبالة: من يستفيد من هذا تسطيح؟


plastic bertrand- ca plane pour moi

Comments

Popular Posts